أخبار

مُنتدى الدوحة ومؤتمر إثراء المُستقبل الاقتصادي.. الرميحي : تحليل كلمة سعادة وزير الخارجيّة الدكتور خالد بن محمّد العطيّة في افتتاح مُنتدى الدوحة الرابع عشر ومُؤتمر إثراء المُستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط

 

الدوحة 12 مايو 2014م

 

 

 

ركّز سعادة وزير الخارجيّة الدكتور خالد بن محمّد العطيّة في كلمته التي ألقاها في افتتاح مُنتدى الدوحة الرابع عشر ومُؤتمر إثراء المُستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط يوم 12 مايو الجاري على خمسة محاور أساسيّة تشكل تحدّيات للنظام الدولي، أو بعبارة أدقّ، للإستقرار العالمي: وهي: 1) التحوّلات في العالم العربي كخلفيّة عامة، 2) تحقيق السلام في فلسطين، 3) ضرورة إصلاح النظام الدولي، 4) المأساة الإنسانيّة في سوريا، 5) التنمية الشاملة.


تندرج هذه التحدّيات ضمن إطار عام ذكّر سعادة الوزير الحاضرين بأنه الشعار الذي يلتئم في ظله مُنتداهم، أي:"رؤى حول الإستقرار العالمي الاستراتيجي – الاقتصادي – التنموي". يحتوي هذا الشعار نفسه فكرة المُنتدى الأساسيّة، وهي تعدّد الآراء. إن الذين أتوا من بلدان ومُنظمات مُختلفة، لتبادل الأفكار حول ما يعنيه لكل منهم مفهوم "الإستقرار"، سيكسبون مزيداً من المعرفة والفهم للقضايا المطروحة، من خلال المُقارنة بين منظور وآخر. إن كلا من المُنتدى والمُؤتمر (إثراء المُستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط) يُشكّل فرصة لوضع الأفكار والنظريّات على المحك، والخروج من ذلك بنتائج، أكد سعادة الوزير في خاتمة كلمته أن دولة قطر تنتظرها "بقدر كبير من العناية تحقيقاً للهدف المنشود من المُنتدى".


تريد قطر بالتالي التوصّل إلى نتائج عمليّة من اجتماع هذا العدد الكبير من الأخصائيين والسياسيين والفاعلين الاجتماعيين، لأن النتائج المشفوعة بتوصيات ينتظر أن يكون لها تأثير على المُستويات الثلاثة: الدولي، والإقليمي، والمحلي. وفيما يلي تحليل لكلمة سعادة وزير الخارجيّة.


1) التحوّلات في العالم العربي كخلفيّة للقضايا المطروحة للنقاش في الشرق الأوسط:
عند الحديث عن موضوع "الإستقرار العالمي" في زماننا، لا يُمكن لوزير خارجيّة دولة قطر إغفال بُعده الإقليمي. فنحن في المنطقة المُسمّاة الشرق الأوسط، التي لم تكن مُنذ نهاية الحرب العالميّة الثانية نموذجاً للإستقرار. وقد وقد حدثت فيها منذ 2011م سلسلة من الثورات الشعبيّة المُتعاقبة التي شكلت تحدّيات، وما لبثت أن تولّدت عنها تهديدات جديدة. كان هذا هو المدخل العام الذي أراد سعادة الوزير أن يُعالج من زاويته القضايا التي أثارها. فهو يُؤكد أن اختيار شعار المُنتدى لم يكن صُدفة، وإنما ارتبط بضرورة واقعيّة، وهي أن هذا الاجتماع ينعقد "في ظلّ التحوّلات والتغيّرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وبخاصة المنطقة العربيّة خلال السنوات الثلاث الماضية"...
لدولة قطر رؤية خاصة لهذه التحوّلات، تنبع من هويّتها، ودورها في النظامين الإقليمي والدولي. وكلمة سعادة الوزير هذه جاءت لتعيد التأكيد على بعض أولويّات أجندة السياسة الخارجيّة القطريّة، وتثبيتها في إطار نظري استراتيجي، يعرف العديد من الحاضرين أنه يُشكل المرجع الرسمي لسياسة الدولة، وهو ما أشار إليه سعادته في آخر فقرات كلمته، قائلاً:"جعلت الدولة تحقيق الإستقرار الاقتصادي والاجتماعي في مُقدّمة أولويّاتها". وربط ذلك بالقيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الأمير "حفظه الله" ورؤية قطر 2030، والخطط الوطنيّة الاستراتيجيّة ذات الصلة.


ولا بدّ من التذكير بأن سعادة الوزير، ترك الإشارة إلى المسألة الاقتصاديّة والتنمويّة إلى آخر كلمته، بالرغم من أنها كانت بالقطع تشكل تحدّياً أساسيّاً للأنظمة العربيّة التي هزّتها ثورات شعبيّة منذ 2011م. وهو سيتحدّث عن ذلك فيما بعد، ولكنه فضّل في مُقدّمته أن يُشير أساساً إلى التحدّيات السياسيّة للإستقرار، لاعتقده بأنه لا يُمكن الوصول إلى استقرار اقتصادي دون استقرار سياسي، وهو ما عبّر عنه بالدعوة إلى "تحقيق التوازن بين تطلعات الشعوب في الأمن والإستقرار والتحوّل الديمُقراطي عبر احترام مُقوّمات الشرعيّة والعدالة وتعميق قيم الحوار والتسامح".


ولا يبرز هذا التحدّي بشكل أكثر وضوحاً كما هو الأمر في قضيّة فلسطين. فلئن اعترف سعادة الوزير بأن تداعيات الثورات العربيّة منذ 2011م "أضحت تشكل تهديداً على الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط والإستقرار العالمي"، فغالبيّة أسبابها في الواقع معروفة، وقد وقع تحليلها واستعراضها طولاً وعرضاً، وهي إجمالاً تراكمات الأخطاء السياسيّة والاقتصاديّة التي لم تُعالج بشكل صحيح منذ قيام الدولة المُستقلة (في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا...) وأما التداعيات، فهي بيّنة للعيان وتأثيراتها واضحة أيضاً، سواء في السياسات الإقليميّة لدول المنطقة ومواقفها وخطابها، أو في العُنف الذي يخشى دائماً من عواقب عدم السيطرة عليه أو توسّع رقعته.


كل هذا يظلّ قابلاً للفهم، لأن أسبابه، كما قلنا، وقع شرحها وتحليلها، وينكبّ السياسيّون والخبراء اليوم على مُعالجتها، وستقدّم في المُؤتمر والمُنتدى بعض إجابات عن الأسئلة المطروحة. بيد أن المعضلة الكبرى التي لم يتوصّل أحد إلى عاية الآن إلى مُعالجتها بالطريقة الصحيحة... المعضلة التي لم تنفجر فجأة في السنوات الأخيرة، وإنما ظلت نارها مُشتعلة منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية... هي قضيّة فلسطين، وهي ما سمّاه سعادة الوزير مُحقاً:"التحدّي الأكبر".


2) التحدّي الأكبر: السلام في فلسطين
لدولة قطر موقف حول عمليّة السلام، عبّرت عنه في مُناسبات عدّة، وأعاد سعادة وزير الخارجيّة التذكير بخطوطه العريضة في كلمته. وكما نعلم، كانت قطر من بين الدول التي استجابت لمشروع السلام بين العرب وإسرائيل، وربطت ذلك باستجابة إسرائيل نفسها لمُتطلبات تحقيق السلام على الأرض، وهي قانونيّة وأخلاقيّة وإنسانيّة. وعندما أعلنت إسرائيل قبول حلّ الدولتين على أساس الرجوع إلى حدود ما قبل 1967م، من خلال عمليّة السلام التي أتت بها مُفاوضات أوسلو، وقفت دولة قطر مُشجعة هذا التمشّي وقدّمت العون والدعم المطلوبين، واستمرت في ذلك حتى بعد أن تبيّن تراجع الإسرائيليين عن وعودهم. وظلّ موقف قطر مُتشبثاً بالمُنطلقات المبدئيّة نفسها، وهي تلك المُعلنة في قرارات الأمم المُتحدة وتوصياتها وكذلك في بيانات مُؤتمرات القمّة العربيّة، لا سيّما ما يهمّ قضيّة فلسطين وعمليّة السلام. وبعد مُلاحظة الصعوبات والعقبات التي تحول دون إتمام عمليّة السلام بالشكل الصحيح، رأى سعادة وزير الخارجيّة أن الهدف (السلام العادل الذي ينتج استقراراً) لا يُمكن تحقيقه دون توفر شرط أساسي، ألا وهو:"التزام إسرائيل بأسس ومبادئ عمليّة السلام وفقاً لقرارات الشرعيّة الدوليّة من خلال حلّ الدولتين الذي توافق عليه المُجتمع الدولي".


وقد يقول قائل: ولماذا هذا التأكيد على إسرائيل؟ أليست المسؤوليّة مُشتركة بين الطرفين؟ أليست السلطة الوطنيّة (ومُنظمة التحرير الفلسطينيّة) مسؤولة أيضاً عن انهيار عمليّة السلام، كما لا ينفك الإسرائيليّون وبعض حلفائهم يُردّدون؟
لا مفرّ من الاعتراف طبعاً بأن المسؤوليّة مُشتركة، إلا أنها ليست بالقدر نفسه، إذا ما أخذنا في الاعتبار موازين القوّة على الأرض. فإسرائيل هنا هي الطرف الأقوى، وهي في نظر القانون الدولي لا تزال الطرف المُعتدي. وهي بالتالي التي تتحمّل مسؤوليّة أكبر بكثير في الوصول بعمليّة السلام إلى غايتها المنشودة، (إذا كانت راغبة فيها أصلاً) بحكم ما يُمليه العقل والقانون الدولي والأخلاق. وهذا الموقف القطري هو موقف جميع الدول العربيّة والإسلاميّة، بل جميع الدول التي تؤمن بالسلام وبالقيم الإنسانيّة الكبرى. ومن ثمّ، وجّه سعادة الوزير دعوته إلى إسرائيل بـ "مُراجعة قرارها بوقف المُفاوضات وفرض عُقوبات إضافيّة على الفلسطينيين"، وفي الوقت نفسه دعا المُجتمع الدولي والولايات المُتحدة إلى تحمّل مسؤوليّتهم في إعادة إسرائيل إلى الصواب، خدمة للسلام والإستقرار.
ولا يُمكن أن يتمّ طبعاً دون العودة إلى قرارات الشرعيّة الدوليّة، والعمل الجماعي من خلال نظام الأمم المُتحدة، بالرغم من جميع عُيوبه. وعلى هذه المسألة الأخيرة تحديداً، ركّز سعادة وزير الخارجيّة محوره الثالث في الحديث.


3) ضرورة إصلاح آليّات العمل الجماعي في النظام الدولي:
من خصائص النظام الدولي الذي وُلد بعد الحرب العالميّة الثانية أنه أتى انعكاساً لموازين القوى في ذلك الوقت. فمجلس الأمن الدولي الذي عقد أوّل جلساته في لندن يوم 17 يناير 1946م، جمع الحُلفاء المُنتصرين في الحرب، ومنحهم صلاحيّات كبرى للحفاظ على السلام والإستقرار في العالم وفقاً لمنظور كل منهم، مع استعمال حق النقض (الفيتو) الذي يُعطي أياً من الدول الخمس دائمة العُضويّة القدرة على تعطيل أي قرار لا تراه مُناسباً لمصالحها. تبيّن قصر نظر هذا النهج أولاً عندما انتصر الشيوعيّون الصينيّون بقيادة ماو تسي تونج على تشانج كاي تشيك الذي كانت تسانده الولايات المُتحدة وحُلفاؤها الغربيّون، واضطروا اضطراراً لإعطاء مقعد الصين (الذي كانت تحتله تايوان) لبيجين. وتبيّن مرّة ثانية وثالثة ورابعة إلخ... عندما عجز مجلس الأمن الدولي على تجنّب الحرب في كوريا وفيتنام والعديد من المناطق الأخرى التي كان يدور حولها صراع من أجل النفوذ.


وبالرغم من ذلك، لم يضمنوا هيكليّة الأمم المُتحدة أو ميثاقها آليّات خاصة للإصلاح الذاتي (ما عدا إضافة اللغة العربيّة في الثمانينيّات من القرن الماضي)، بما يُؤهّل مجلس الأمن الدولي لضبط عمله على إيقاع تطوّرات العالم، بحيث يتمتع بمُرونة كافية للتأقلم مع المُعطيات الجديدة على مسرح السياسة الدوليّة. لقد تغيّرت حقائق القوّة وموازينها تغيّراً كبيراً منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية، بحيث لم يعد بالإمكان القول إن الدول الخمس التي لا تزال تسيطر على مجلس الأمن الدولي تعكس حقائق القوّة وموازينها في عالم اليوم. وهذا جعل مجلس الأمن الدولي عاجزاً تقريباً عن مُعالجة قضايا عديدة بالطريقة الناجعة. وقد بلغ التقصير مدى أصبح معه نظام الأمم المُتحدة كما هو الآن مُعرقلاً للسلام أكثر منه مُيسّراً له. هذا ما قد يكون سعادة وزير الخارجيّة قصد إليه من خلال قوله:"في ظلّ غياب السلطة العالميّة الفعّالة التي تحقق الشرعيّة الدوليّة بمفهومها الصحيح ووفق منهج ديمُقراطي سليم لا يزال النظام الدولي يُعاني من ازدواجيّة المعايير".


بطبيعة الحال! فالازدواجيّة سببها التضارب بين المبادئ المُعلنة للأمم المُتحدة والمصالح الخفيّة للدول المُسيطرة على مجلس الأمن، وعدم مُراعاة حقائق موازين القوّة الجديدة في تمثيله، لا سيّما تحوّل مركز ثقل الاقتصاد العالمي من أوروبا إلى منطقة آسيا – باسيفيك، أي بعبارة واحدة: تغييب الديمُقراطيّة في النظام العالمي السائد، ربّما من طرف أولئك بالذات الذين يدعون إلى تحقيقها في الدول النامية.
وبالرغم من ذلك، يُؤكّد سعادة الوزير على ضرورة التشبث بالشرعيّة الدوليّة بـ"مفهومها الصحيح"، داعياً المُجتمع الدولي إلى "العمل الجاد على إصلاح النظام العالمي" خدمة للأمن والسلام والإستقرار.
وهذا ما يُلخّص موقف قطر: ففي الوقت الذي تشير فيه إلى عيوب النظام الحالي، فهي تدعو إلى إصلاحه وفقاً لما يُمليه القانون والأخلاق والخير العام.


4) الكارثة الإنسانيّة في سوريا:
مُنذ اندلعت الثورة في سوريا، بشكل سلمي أولاً، وإلى ان تحوّلت إلى حرب حقيقيّة بين نظام الأسد ومُعارضيه، يكاد لا يخلو خطاب واحد لسعادة وزير الخارجيّة من إشارة إلى الأزمة السوريّة، وما تعنيه لقطر والعرب جميعاً، وما تحمله من تحدّيات ومخاطر. وقد عالج الوزير هذه المسألة من زوايا مُختلفة، وهو في هذه المرّة، إذ يربطها مُباشرة بعيوب النظام الدولي الحالي، يضع إصبعه على مكمن الداء. إنه يقول دون مُواربة:"لا شكّ أن استمرار هذه الأزمة حتى الآن يرجع إلى تقاعس المُجتمع الدولي في التعامل الحازم والجاد مع هذه الأزمة من خلال التطبيق غير الصحيح والسليم للقانون الدولي وقواعد الشرعيّة الدوليّة".
التطبيق غير الصحيح والسليم... تلك هي المُشكلة!


طبعاً، نحن نعلم أن الأزمة السوريّة عُرضت مرّات على مجلس الأمن الدولي. فهو الجهاز الوحيد في العالم الذي يملك من الصلاحيّات ما يخوّل له التدخل في أي مكان لفرض التسوية التي تراها صالحة مُنظمة الأمم المُتحدة. وأما خارج هذا الإطار القانوني، فالمخاطر أكبر من أن يتحمّلها أي طرف، حتى وإن كان يُمثل تجمّعاً إقليميّاً قانونيّاً مُهمّاً كجامعة الدول العربيّة مثلاً. ولكن عرض الأزمة السوريّة على مجلس الأمن الدولي بتركيبته وهيكليّته الحاليّة زاد من تعقيدها وأجّل حلّها إلى تاريخ لا يعلمه إلا الله. فالذي اتضح هنا بشكل سافر، هو تضارب المصالح مع المبادئ كما سبقت الإشارة، وازدواجيّة المعايير. فمجلس الأمن الذي كان سمح بالتدخل العسكري في ليبيا لوقف شلال الدمّ، عجز أن يحمي الشعب السوري من بطش نظام الأسد وانتقامه، لأن روسيا التي فقدت موطئ قدم في جماهيريّة القذافي، أدركت أن السيناريو نفسه سيتكرّر في سوريا، فوقفت مُستميتة في "الدفاع عن نظام الأسد"، أو بالأحرى عن مواضع أقدامها في سوريا. ولأنها تملك حق "الفيتو" بحكم قانون موازين القوّة في مرحلة ما بعد الحرب العالميّة الثانية، ولأنها فقدت امبراطوريّتها بالكامل، وطردت من الشرق الأوسط، كما طردت من أوروبا، فقد عادت إلى مُمارسة "دور عالمي" من خلال الأزمة السوريّة.


وسعادة وزير الخارجيّة يعرف كل هذه المُعطيات قطعاً، ولكنه لا يُسمّي أي طرف، بل يُشير فقط إلى "تقاعُس المُجتمع الدولي"، الذي يرجعه إلى "التطبيق غير الصحيح والسليم للقانون الدولي وقواعد الشرعيّة الدوليّة". يعني ذلك ببساطة أن ما يعترف به القانون والشرعيّة الدوليّة بوصفه حقاً يوصي بتمكين أصحابه منه (مثل حق تقرير المصير للشعوب)، لا يُمكن التوصّل إليه عملياً، لأن الأوضاع الحاليّة داخل مجلس الأمن الدولي تمنع ذلك. (والأمر نفسه بالمُناسبة ينطبق على قضيّة فلسطين). فلو قبلت جميع الدول تمكين الأمم المُتحدة من تطبيق بنود ميثاقها، عند فحص الأزمة السوريّة (أو القضيّة الفلسطينيّة)، لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم. وبالرغم من ذلك، ففي الوقت الحاضر لا يوجد خيار آخر للدول سوى المُناداة بإصلاح الأمم المُتحدة، والتمسّك بالشرعيّة الدوليّة، ودعم حق الشعب السوري في العيش بحُرّية وكرامة على أرضه. وهو موقف قطر كما أعاد التأكيد عليه سعادة وزير الخارجيّة، قائلاً:"بات لزاماً على مجلس الأمن الآن أن يُباشر مسؤوليّاته ويفرض تنفيذ قراراته بوقف إطلاق النار لحماية الشعب السوري من القتل والتشريد...".


5) قضيّة التنمية الشاملة:
إنه التحدّي الخامس الذي يُركز عليه سعادة وزير الخارجيّة في هذه الكلمة، ويتعلق بالتحكم في التنمية الشاملة، بحيث تعكس أولويّات الشعوب، لا سيّما في البُلدان النامية التي تحتاج أكثر من غيرها إلى تحقيق التوازن بين العوامل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة. والمُلاحظة الأساسيّة هنا هي هذا الربط البنيوي بين السياسي والاقتصادي. فسعادة الوزير يُشير أولاً إلى التضحيات الكبرى التي أقدمت عليها الشعوب العربيّة "التي قدّمت أرواحها من أجل الحُرّية والكرامة والحكم الرشيد". وهو يعني بذلك الثورات، مُؤكداً أن الناس ما زالوا يتطلعون "إلى استمرار عمليّة الإصلاح". وليس هناك إصلاح لا يأخذ في الاعتبار حاجات الإنسان الأساسيّة: الغذاء والدواء والتعليم والعيش الآمن في بلد حُرّ يُوفّر له حقوقه. وقد رأى سعادة الوزير أن "تحقيق الإستقرار الاقتصادي أو التنموي في منطقة الشرق الأوسط سينعكس (...) على الاقتصاد العالمي ولا يُمكن تحقيق الإستقرار الاقتصادي بمعزل عن الإستقرار السياسي".


وبهذه الطريقة، فالتنمية التي يدعو إليها  سعادة وزير الخارجيّة هي من النوع الإدماجي الشامل الذي تراعى فيه حاجات جميع القطاعات بشكل مُتوازن ومُتكامل، بحيث يدعم بعضها بعضاً، بما يعكس أولويّات الشعوب وتطلعاتها. ولا يُمكن لذلك أن يتمّ دون حدّ أدنى من المُساواة في الحقوق الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة بين أطراف المُجتمع، وهي الفكرة الأساسيّة عُموماً للديمُقراطيّة الليبراليّة الحديثة، ونجدها كذلك في نموذج الديمُقراطيّة الاجتماعيّة كما طبقت مثلاً في البُلدان الإسكندنافيّة. ولكن دون أن يُحدّد سعادة الوزير نهجاً سياسيّاً بعينه أو يُشير إلى مدرسة فكريّة، فقد عكس في كلمته مجموعة من الأفكار السياسيّة الحديثة التي تؤدّي إلى مُواجهة سلبيّات بعض النماذج التنمويّة المُفوّتة لصالح مُقاربة تستجيب لحاجيّات المُواطن والمُجتمع ككل. وقد أكد بالخصوص على أن "التنمية والأمن مساران لا غنى لأحدهما عن الآخر".


وأكثر من ذلك، فقد رأى أن هذه المسألة تشكل مسؤوليّة جماعيّة. فهو يقول "إن مُواجهة تحدّيات التنمية تشكل مجالاً هاماً وضوريّاً للتعاون بين الدول". فالبُلدان التي لا تستطيع رفع تلك التحدّيات تصاب بالعطالة والتأخر، وعندما يتأزم وضعها تماماً، ينفلت زمام الأمن من أيدي السُلطة، وتحدث الانتفاضات والثورات وأعمال العُنف، ممّا قد يُؤدّي إلى انقلابات عسكريّة، أو تصفيات دمويّة، أو الاثنين معاً. وقد يعسر الأمر وينهار التوافق الوطني إلى حدّ تعريض وحدة البلد إلى المخاطر وغرقه في بحر من العُنف، وفشل الدولة جزئيّاً أو كُليّاً، كما حدث ويحدُث في أكثر من مكان. هذا ما جعل سعادته يُؤكد على أنه من واجب المُجتمع الدولي "مُعاضدة جهود البُلدان الأقلّ نمُوّاً لبلوغ أهدافها في التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة ومجالاتها الأخرى...".


وأكد على الدور الذي تقوم به قطر في هذا السياق. وهنا أيضاً يذكر سعادة وزير الخارجيّة بمبدأ أساسي من مبادئ السياسة القطريّة. كونها تتحمّل مسؤوليّتها كعضو في المجموعة الدوليّة، له التزامات مُعيّنة. وبالمُقابل، تطلب أن تفي الدول الأ|خرى كذلك بالتزاماتها "بشأن المُساعدات الإنمائيّة بكافة أشكالها".


وأنهى سعادة وزير الخارجيّة الدكتور خالد بن محمّد العطيّة كلمته مُذكراً بأن الجهود التي تبذلها الدولة بقيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني "حفظه الله"، تتعلق أولاً بـ"تقدّم ورفعة المُواطن القطري بتغليب مصلحته وتعظيم منفعته وتلبية تطلعاته في شتى المجالات". فهذا هو أساس الإستقرار الاقتصادي والاجتماعي الذي تسعى الدولة إلى ترسيخه، كما يقول، "في إطار الدستور وسيادة القانون واحترام كافة حقوق الإنسان".

 

 

تحميل PDF

 

 

وكما في كل عام، سيقوم مُنتدى الدوحة بتقديم نظرة شاملة للقضايا الساخنة المتعلقة بالديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة في الشرق الأوسط، وفي الدول العربية والعالم. وعلى نطاق أوسع، سيناقش هذا المُنتدى الدولي مسائل مصيرية سياسية واقتصادية واجتماعية ومالية وأمنية واستراتيجية وبشرية في منطقة تشهد بعضاً من أهم التغييرات في تاريخها المعاصر

 

ضيوف شرف هذا العام هم نخبة متميّزة من رؤساء الدول والحكومات الحاليين. كما يتضمّن المُنتدى لفيفاً من قادة الرأي العالمي البارزين والمفكرين السياسيين وصنّاع القرار وأعضاء البرلمان ورجال الأعمال والأكاديميين والإعلاميين والخبراء، فضلاً عن ممثلين عن المجتمع المدني والمنظمات الإقليمية والدولية، الذين سيُساهمون في النقاش الحرّ العلمي والمثير حول العديد من المواضيع المدرجة على جدول أعمال المنتدى، مع التركيز على ما بعد الربيع العربي وتحدّيات المستقبل والأزمة المالية والاقتصادية العالمية، والتعاون الدولي، وبناء الديمقراطيّة، والاقتصاد العالمي والتنمية، وحقوق الإنسان، والإعلام الرقمي

 

ويعقد منتدى الدوحة في فندق الريتز كارلتون الدوحة في دولة قطر في الفترة من 20-22 مايو 2013م، يشارك فيه حوالي 600 شخصية يمثلون أكثر من 80 بلداً ومنظمة